لا يكتب التاريخ - في الغالب - إلاّ المنتصرون .. حيث يرى البعض هذه " النظرية "حقيقة تاريخية .. أثبتها التاريخ نفسه .
فهذا موضوع مُختصر جداً عن مرحلة مُهمة من تاريخنا .. هي مرحلة تكوين هذا الوطن ، طلبه مني عددٌ من الشباب في مناطق مُختلفة .. من المُغرمين بالقبيلة والتاريخ.عرضته من قبل ، وحرصتُ أن يكون مُختصراً وموضوعياً ، لأنني لستُ من هواة التاريخ. آمل أن يُجيب على تساؤلاتكم رُغم اختصاره .
لا شك أن الملك عبدالعزيز كان لاعباً مُحترفاً .. استطاع قلب الواقع - آنذاك- والإستفادة من كل العوامل والمتناقضات .فطموحه السياسي ، وخوفه من آل رشيد في حائل ، وعداؤه التقليدي مع أشراف الحجاز ، وأخيراً كماشة الحلف الثلاثي ( عتيبة – مطير – العجمان ) حول عاصمته الرياض ، جعلته يعمد إلى ( مراجعة ) و ( تغيير ) منهجيته .. وإلا لتبدّلت الصورة ، وتغير المنهج تماما ، وكنا اليوم في وضع سياسي مغاير عمّا نعيشه اليوم.
الفكرة كانت الدين نفسه ..فكرة بسيطة وطبيعية وسلسة ، ولكنها كانت المخرج والمطية ، والحل الأوحد لقلب الصورة والاستفادة من كل العوامل والمتناقضات .
الملك عبدالعزيز يتقارب ويتوّدد للحلف الثلاثي على لحمية الدين ..
الملك يـُقدم نفسه وريثاً وحيداً للبيت الذي تحالف مع دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب ( هذا في حد ذاته يضع له وزناً كبيراً في المفاهيم والإعتبارات ) ..
الملك عبدالعزيز يجعل التحالف رباعياً بخلفيات تاريخ الدرعية ..
الملك عبدالعزيز يـُفرغ طموحه ويطرح فكرته في ضرورة نشر الدين ، وصُنع دولة على مناهجه وأحكامه..
الملك عبدالعزيز يقود الفكرة (فكرة بناء الدولة ) إسلامية الزخم والطعم .. وينتهز فرصة أعراف الحلف الثلاثي وتقاليده في احترام المشيخات ، وعدم انصياع أحدهم لقيادة الآخر ، وتصبح قيادته هو مقبولة من أطراف الحلف الثلاثي .
كل هذه التركيبة وملابساتها أثّرت في ( الإخوان ) وجعلتهم في النهاية ينضوون تحت لواء الملك عبدالعزيز ، وخاصة ( ابن بجاد ) الذي أفرغ قوته في تحقيق الفكرة ( فكرة الملك عبدالعزيز ) والتاريخ يشهد أن ابن بجاد انطلق بقواته الكاسحة يمسح له الحجاز ، ويلقي بحسين بن علي في عرض البحر . ومن قبل حرّكت (الفكرة ) قوى التحالف الثلاثي فقضت على حائل وآل رشيد وجرّدت شمر ( القبيلة الضخمة ) من كل قواها . قوات متجردة لا تأتي على شيء إلا جعلته كالرميم!!!
ومع ذلك كل ، ومن منظور الخوف وعدم الثقة .. ودواعي الحيطة والحذر لكيلا يسطو ابن بجاد بالأمر من دونه .. لاصق الملك عبدالعزيز معه ( خالد بن لؤى ) ينازعه الامارة والقيادة ويسد به الطريق .. تحسُباً لأية آمال أو مطامح . رحمهم الله جميعاً وغفر لهم .
ذاك هو التاريخ .. أما الحاضر فهو قبيحٌ ومؤلم . استبداد ، وتسلُط ، وتفرد كامل بحياة المواطن الذي ضحّى أجداده بحياتهم لبناء هذا الوطن. فلا نرى سوى سُلطة مُطلقة بأقبح صورها. أتساءل كيف رضي الناسُ ويرضون أن يبقى الوضع على ماهو عليه .. فواقعنا السياسي أمرٌ يُثير الدهشة والغرابة. وسلبية الناس هي عندي أكثر دهشةً وغرابة. من أعطاهم الحق أن يتفردوا بكل شيء على هذا النحو النادر ؟ من أعطاهم الحق أن يُعاملوا الناس معاملة لا تليق ببني الإنسان ؟ .. فيُهان هذا ، ويُعتقل ذاك ، ويُقطع رزق هذا وذلك؟ فكيف - بعد هذا كله- لا يتحرك الناس يُطالبون بحقوقهم .. ويُصلحون هذا الوضع غير السوي . نملك القدرة والمرونة والحس المسؤول على تجاوز الماضي .. لكننا - نحن أبناء اليوم - لن نرضى إلاّ بالعيش بكل حرية وكرامة ، لنا ما لنا ، وعلينا ما علينا ، ولن تنازل عن حقوقنا .. ودافعنا هو كرامة الإنسان ، وحُبنا الكبير لوطننا .
وفق الله الجميع.